منتديات قافلة الزهراء عليها السلام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الدعاء ،،بناء للشخصية

اذهب الى الأسفل

الدعاء ،،بناء للشخصية Empty الدعاء ،،بناء للشخصية

مُساهمة  العلامة الفارقة الخميس يناير 14, 2010 10:47 am

الدعاء ،،بناء للشخصية Qatarya_Uk0ADvvDxG

لقد تميز الامام السجاد بسفر ليس له مثيل، الا وهو الصحيفة الكاملة السجادية التي تعرف بزبور آل محمد (ص) والتي هي عبارة عن المجموعة الكاملة للادعية العظيمة التي دعا فيها الامام زين العابدين ربه عز وجل، والتي سعى من خلالها الى اعادة صياغة الشخصية (الاسلامية) التي دمرتها مخلفات فاجعة كربلاء، تلك الفاجعة التي اثبتت مدى هشاشة هذه الشخصية، وعدم تشبعها بقيم وتعاليم الاسلام كدين سماوي خاتم، لدرجة انها اقدمت على فعلتها الشنيعة في قتل سبط رسول الله (ص) وعدد من اهل بيت الرسول الكريم والصحابة الاجلاء وحفظة القران ورواة الحديث، وحز الرؤوس ونقلها من ارض المعركة الى الكوفة ثم الى الشام ورض اجساد الشهداء وحرق خيام النساء والاطفال وسبي اهل بيت النبوة والامامة، اهل بيت رسول الله (ص) الذين اذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

ان الفاجعة اكدت عدة حقائق مرة، يمكن تلخيصها بما يلي:

اولا: تهشم الشخصية (الاسلامية) التي فضحتها عاشوراء وكشفت عن نفاقها وتناقضها وجبنها وانقلابها على نفسها عند مواجهتها اول اختبار.

ثانيا: سوء العلاقة بينها وبين ربها عز وجل، تلك التي وصفها الامام السبط عليه السلام بقوله {الناس عبيد الدنيا والدين لعق على السنتهم، يحوطونه ما درت معائشهم، فاذا محصوا بالبلاء قل الديانون}.

ثالثا: سوء العلاقات الاجتماعية التي تسببت بها عناصر مثل انعدام الثقة بين الناس، بسبب سياسات الرشوة والترغيب والترهيب التي مارسها الحكم الاموي الجائر، والتجسس وتتبع عورات الناس والكشف عن اسرارهم وفضح خصوصياتهم والتربص والريبة، الى جانب سياسات التمييز العنصري، التي تكرست على مدى نصف قرن تقريبا.

وبقراءة متانية لنصوص ادعية الصحيفة السجادية، يتبين لنا بان الامام زين العابدين عليه السلام اراد بها ان يصحح هذه الانحرافات الخطيرة، من خلال اعادة صياغة الشخصية، اولا، ليعيد لها توازنها المطلوب، كما سعى بها لاعادة ارتباط هذه الشخصية بخالقها جل وعلا، وتاليا تصحيح العلاقات الاجتماعية من خلال تحديد معالم الحقوق الاجتماعية المترتبة بين الجميع، وبين الحاكم والمحكوم وبين العالم والمتعلم وبين الغني والفقير وبين المراة والرجل وبين الاباء والابناء.

انها محاولة رسالية رائعة لممارسة التغيير والاصلاح، وهي ذات الرسالة السماوية التي اضطلع بها رسول الله (ص) وامير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام والحسنان المجتبى والشهيد، في الامة، بعيدا عن قمع السلطة التي لم يكن بامكانها الامساك بصاحب الرسالة بالجرم المشهود للاقتصاص منه.

وبذلك تثبت صحة النظرية التي تقول بان ائمة اهل البيت عليهم السلام يسعون الى هدف واحد، بوسائل شتى تعتمد الواقع والمتغيرات والظروف الاجتماعية والسياسية والنفسية.

لقد تصدى الامام لرسالة الدعاء لتحقيق تغيير جذري في الامة، من خلال معالجة الامراض الروحية التي اصيب بها المجتمع، واذا اضفنا هذه الرسالة الى رسالة التربية والتعليم التي اضطلع بها الامام، خاصة مع العبيد والطبقة المسحوقة من المجتمع، والتي انتجت آلاف العلماء الاحرار الذين انتشروا في قبائلهم وفي مختلف المجتمعات، فسنعرف اي انجاز عظيم حققه الامام السجاد عليه السلام في الامة مستندا الى رسالة عاشوراء وكربلاء.

ان الدعاء اهم واخطر حبل ممدود بين السماء والارض، انه النسغ الصاعد من العبد الى ربه عز وجل، ولقد وظفه الامام السجاد عليه السلام باحسن معنى وافضل تاثير، من خلال تفعيل حضوره الاجتماعي بشرطه وشروطه.

فالدعاء له تاثير ساحر اذا عرف المرء كيف يوظفه فلا يكون بديلا عن العمل، وان يقرنه باخلاص النية والتصميم على ترك الذنب وكل ما هو خطا، والعكس هو الصحيح فقد يتحول الدعاء الى مادة مخدرة عندما يتصور المرء انه البديل عن العمل، او انه لقلقة لسان، يكفي ان يتحدث به الى ربه، وهذا خطا كبير، فالدعاء لا يترك اثرا ابدا اذا لم يكن مقترنا بالتصميم على التغيير.

لقد تحدث القران الكريم في ايات عديدة عن فلسفة الدعاء وشروطه ومقوماته، ولقد حثتنا آيات الكتاب العزيز على اللجوء الى الدعاء في الشدة والرخاء، وفي الباساء والضراء، وفي كل حال، شريطة ان لا نشرك في دعائنا مع الله احدا، فيكون تضرعنا اليه عز وجل، ولا يكون ذلك الا اذا تيقنا بانه عز وجل هو وحده بيده الامور وهو القادر على كل شئ.

ففي قوله عز وجل {واذا سالك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداع اذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون} ما يدل على ان الدعاء حجر الزاوية في رشد الانسان والارتفاع به الى مصاف الكمال في الاخلاق والعمل، فبالدعاء يصيب الانسان الحق ويهتدي اليه، كما ورد في تفسير الاية المذكورة عن الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام.

ان الانسان بحاجة الى الدعاء دائما، ليبقى قريبا من ربه عز وجل، وتزداد الحاجة في ظروف القهر، وفي الظروف العصيبة، كالتي نمر بها اليوم،


و أُولئك الجاهلون بحقيقة الدعاء وآثاره التربويّة والنفسية، يطلقون أنواع التشكيك بشأن الدعاء.
يقولون: الدعاء عامل مخدّر، لأنه يصرف النّاس عن الفعّالية والنشاط وعن تطوير الحياة، ويدفعهم بدلا من ذلك إلى التوسّل بعوامل غيبية.
ويقولون: إن الدعاء تدخّل في شؤون الله، والله يفعل ما يريد، وفعله منسجم مع مصالحنا، فما الداعي إلى الطلب منه والتضرّع إليه؟!
ويقولون أيضاً: إنّ الدعاء يتعارض مع حالة الإِنسان الراضي بقضاء الله المستسلم لإِرادته سبحانه!

هؤلاء، ـ كما ذكرنا ـ يطلقون هذا التشكيك لجهلهم بالآثار التربوية والنفسية والإِجتماعية للدعاء، فالإِنسان بحاجة أحياناً إلى الملجأ الذي يلوذ به في الشدائد، والدعاء يضيء نور الأمل في نفس الإِنسان.


من يبتعد عن الدعاء يواجه صدمات عنيفة نفسية واجتماعية. وعلى حد تعبير الطبيب وعالم النفس الشهير «الكسيس كاريل» في كتاب الدعاء:
«ابتعاد الاُمّة عن الدعاء يعني سقوط تلك الاُمّة! المجتمع الذي قمع في نفسه روح الحاجة إلى الدعاء سوف لا يبقى مصوناً عادة من الفساد والزوال.
ومن نافلة القول أنه من العبث الإِكتفاء بالدعاء لدى الصباح وقضاء بقية اليوم كالوحش الكاسر، لابدّ من مواصلة الدعاء، ومن اليقظة المستمرة، كي لا يزول أثره العميق من نفس الإِنسان».

وأُولئك الذين يصفون الدعاء بأنه تخديري لم يفهموا معنى الدعاء، لأن الدعاء لا يعني ترك العلل والوسائل الطبيعية واللجوء بدلها إلى الدعاء، بل المقصود أن نبذل نهاية جهدنا للإِستفادة من كل الوسائل الموجودة، بعد ذلك إن انسدت أمامنا الطرق، وأعيتنا الوسيلة، نلجأ إلى الدعاء، وبهذا اللجوء إلى الله يحيى في أنفسنا روح الأمل والحركة، ونستمد من عون المبدأ الكبير سبحانه.
الدعاء إذن لا يحل محل العوامل الطبيعية.

ويقول الكسيس كاريل :
«الدعاء ـ إضافة إلى قدرته في بث الطمأنينة في النفس ـ يؤدي إلى نوع من النشاط الدماغي في الإِنسان، وإلى نوع من الإِنشراح والإِنبساط الباطني وأحياناً إلى تصعيد روح البطولة والشجاعة فيه. الدعاء يتجلى بخصائص مشخصة فريدة ... صفاء النظرة، وقوة الشخصية، والإِنشراح والسرور، والثقة بالنفس، والإِستعداد
للهداية، واستقبال الحوادث بصدر رحب، كل هذه مظاهر لكنز عظيم دفين في نفوسنا. وانطلاقاً من هذه القوّة يستطيع حتى الأفراد المتخلفون أن يستثمروا طاقاتهم العقلية والأخلاقية بشكل أفضل، وأكثر. لكن الأفراد الذين يفهمون الدعاء حق فهمه قليلون جداً ـ مع الأسف ـ في عالمنا اليوم».

ممّا تقدم نفهم الرد على من يقول أن الدعاء يخالف روح الرضا والتسليم، لأن الدعاء ـ كما ذكرنا ـ نوع من كسب القابلية على تحصيل سهم أكبر من فيض الله اللامتناهي.
بعبارة اُخرى: الإِنسان ينال بالدعاء لياقة أكبر للحصول على فيض الباري تعالى. وواضح أن السعي للتكامل ولكسب مزيد من اللياقة هو عين التسليم أمام قوانين الخليقة، لا عكس ذلك.
أضف إلى ذلك، الدعاء نوع من العبادة والخضوع والطاعة، والإِنسان ـ عن طريق الدعاء ـ يزداد إرتباطاً بالله تعالى، وكما أن كلّ العبادات ذات أثر تربوي كذلك الدّعاء له مثل هذا الأثر.

والقائلون أن الدعاء تدخّل في أمر الله وأن الله يفعل ما يشاء، لا يفهمون أن المواهب الإِلهية تغدق على الإنسان حسب استعداده وكفاءته ولياقته، وكلّما ازداد استعداده ازداد ما يناله من مواهب.
لذلك يقول الإِمام الصادق(عليه السلام): «إِنَّ عِنْدَ اللهِ عَزّ وَجلَّ مَنْزِلَةً لاتُنَالُ إِلاَّ بِمَسْأَلَة».
ويقول أحد العلماء: «حينما ندعو فإننا نربط أنفسنا بقوة لا متناهية تربط جميع الكائنات مع بعضها».
ويقول: «إنّ أحدث العلوم الإِنسانية ـ أعني علم النفس ـ يعلّمنا نفس تعاليم
الأنبياء، لماذا؟ لأن الأطباء النفسانيين أدركوا أن الدعاء والصلاة والإِيمان القوي بالدين يزيل عوامل القلق والاضطراب والخوف والهيجان الباعثة على أكثر أمراضنا».

العلامة الفارقة
العلامة الفارقة
مشرف
مشرف

عدد المساهمات : 51
علاماتك : 145
تاريخ التسجيل : 06/12/2009
الموقع : قلب السكينة

https://q-alzhra.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى